مدونة البوابة

مساحة رأي| الجهات الرقابية والتكنولوجيا المالية

آفاق المالية الرقمية من أجل تعزيز الشمول المالي في مصر
سيدة مصرية على الهاتف المحمول. Shutterstock.

لا شك أن تطور الخدمات المالية وانتشارها في العالم ومدى تأثيرها الإيجابي في الشمول المالي اعتمد على مدى تطور بيئة التكنولوجيا الرقمية في الدول المختلفة خلال العقد الماضي. بالنسبة لمصر، أصبح ذلك الأثر واضحا وملموسا خلال السنوات الأخيرة بإنتشار الخدمات المختلفة اعتمادا على تطور تكنولوجيا الإتصال بالمحمول والخدمات البنكية الإلكترونية وشركات الدفع الإلكتروني التي أصبحت تقدم مجموعة من الخدمات المتنوعة لعملائها سواء لسداد المشتريات وفواتير استهلاك الكهرباء والتليفون والمحمول والإنترنت والأقساط وحجز تذاكر السفر بالقطار والأتوبيسات والإنتقال داخل المدن وخدمات الترفيه مثل السينما والمسارح ومؤخرا خدمات التمويل متناهي الصغر من سداد وتحصيل أقساط التمويل. كل ذلك من خلال محافظ إلكترونية على التليفون المحمول أو كروت بنكية إلكترونية أو شبكة واسعة من نقاط البيع الإلكترونية بالمتاجر والمحلات والأكشاك المنتشرة فى جميع أنحاء البلاد. ويدعم هذا التطور رغبة مصر القوية فى تنمية الشمول المالى والتحول إلى نظم الدفع غير النقدي. وهذا ما يعززه صدور القانون رقم 18 لسنة 2019 بتنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي في مصر خلال شهر إبريل الماضي.

احتياج المستهلك هو المحرك الرئيسي

أعتقد أن التطور التكنولوجي السريع في هذا المجال كان لن يحدث ويتواجد في مصر إن لم يكن هناك "شهية" مبنية على احيتاج المستهلك لهذه الخدمات واستعدادا منه لتجربتها واقتناعه بالفائدة التي تعود عليه باستخدامها على الرغم من وجود نسبة كبيرة من السكان خارج النظام المصرفي ولا يوجد لديها تعاملات مع الخدمات المالية. فالمستهلك البسيط أو صاحب حرفة صغيرة أو أي مشروع مبتدئ على دراية بالقيمة التي تعود عليه من استخدام الخدمات الإلكترونية في تعاملاته، ويقدر قيمة الوقت والمجهود والتكلفة والمشقة التي أصبح يوفرها من خلال استخدام الخدمات المالية الرقمية. وهذا حافز مهم للمستهلك في الاستمرار في استخدام خدمات التكنولوجيا الرقمية التي تقدم له حل يحتاجه ومستعد لسداد تكلفته، وذلك بغض النظر عن مدى المستوى التعليمي للمستهلك وثقافته المالية. ومن ناحية أخرى كذلك يعتبر هذا حافز مهم للمطورين في الاستمرار في تطوير الخدمات والتكنولوجيات الجديدة في الأسواق لتقديم الجديد.

أصبح المستهلك البسيط أو صاحب حرفة صغيرة أو أي مشروع مبتدئ على دراية بالقيمة التي تعود عليه من استخدام الخدمات الإلكترونية في تعاملاته، ويقدر قيمة الوقت والمجهود والتكلفة والمشقة التي أصبح يوفرها من خلال استخدام الخدمات المالية الرقمية.

الخدمات المالية من أكثر القطاعات تأثرا بالتكنولوجيا الرقمية

 

إن الخدمات المالية من أهم القطاعات الإقتصادية التي من المتوقع أن تشهد تحولا كبيرا فى طبيعتها باستخدام التكنولوجيا الرقمية وبالأخص تلك الخدمات المالية التي تقدم إلى عدد كبير من صغار العملاء خارج النظام المصرفي؛ سيكون لها النصيب الأكبر من التحول مثل خدمات التمويل متناهي الصغر والتأمين متناهي الصغر التي تعتمد على تقديم خدمات مالية لعدد كبير من العملاء بمبالغ محدودة سواء في سداد أو تحصيل أقساط. ويلاحظ النمو الكبير الذي يحدث في هذه الأنشطة في الدول التى أدخلت استخدام التكنولوجيا الرقمية في خدماتها المالية.  

وتعتبر الإستجابة والتفاعل المستمر للجهات المنظمة لتنمية الخدمات التي تستفيد من التكنولوجيا الرقمية من أهم متطلبات تنمية السوق وذلك من خلال وضع نظم ومعايير للخدمات وحماية المتعاملين وأسس التعامل وحماية بيانات المتعاملين والتدخل السريع والفعال في حالة وجود ممارسات خاطئة. كلها عناصر أساسية لنمو استخدامات التكنولوجيا الرقمية بشكل صحي ومسؤول.  وفي مصر، اصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية مؤخرا دليلا تفصيليا لحماية المتعاملين مع الأنشطة المالية غير المصرفية بالإضافة إلى المعايير الفنية الخاصة بضوابط تنفيذ المعاملات المالية فى نشاط التمويل متناهي الصغر من خلال شركات الدفع الالكتروني ضمن الاستراتيجية الشاملة للخدمات المالية غير المصرفية بمصر.

الأسواق الناشئة وتحدي الشمول المالي

في الأسواق الناشئة، هناك نسب مرتفعة من المواطنين الذين لا يملكون تاريخ مالي أو معاملات مالية مما يصعب تقديم خدمات تمويلية لهم؛ الأمر الذى يمثل عائق فى بدء مشروعات صغيرة توفر للمواطنين ولأسرهم دخل وفرص عمل وتساهم في النمو الإقتصادي. وعلى الجانب الآخر، يعتبر الإستعلام الإئتماني عن العملاء من أهم الخدمات التي تعتمد عليها خدمات التمويل مثل منح التسهيلات أو الإقراض متناهي الصغر وتمويل المشروعات الصغيرة للحد من مخاطر المديونية وعدم السداد. لذلك ظهرت في الآونة الأخيرة، حلول بديلة غير تقليدية مثل الحلول التي تعتمد على تكنولوجيا تحليل البيانات التي يتم استخدامها في العديد من الدول  كإستخدام المعلومات الموجودة على الهواتف المحمولة للعملاء والتى تظهر الكثير من أنشطتهم ومعاملاتهم ومدى انتظامهم في سداد المدفوعات، ووسائل أخرى لتحليل الأنماط والتى تدل على مدى التزام العملاء ومسؤوليتهم للإستعاضة عن عدم توفر بيانات مالية عن العملاء. إذا نحتاج إلى التفكير خارج الصندوق واستخدام التكنولوجيا بطرق مبتكرة وملائمة للسوق من أجل تعزيز الشمول المالي.   

تطور التكنولوجيا الرقمية في مصر ما بين الشركات الناشئة والوصول إلى السوق

هناك عدد كبير من الشركات الناشئة وصناديق الإستثمار المتخصصة والجامعات والمبادرات المحلية والدولية وجهات الدعم الإقتصادي الدولي ومؤسسات الدولة المختلفة في الرقابة والإشراف على الخدمات المالية المصرفية وغير المصرفية وتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين التي ترعى وتساعد وتتيح البيئة المناسبة لتنمية استخدامات التكنولوجيا الرقمية وتطوير وتقديم خدمات جديدة في مصر. وفي اعتقادي من المهم أن تشارك الشركات الكبرى والبنوك ومقدمي الخدمات المالية المختلفة (مثال شركات التأمين والتمويل العقاري والتخصيم والتأجير التمويلي وخلافه) تلك المبادرات الناشئة وتفتح مجال تبادل الآراء والمناقشة ومساعدة أصحاب الأفكار الريادية الجديدة في فهم متطلبات السوق والخدمات الموجودة به والتعرف على أنماط السوق والمستهلكين.

وتشترك مصر إلى جانب الصين والمكسيك في المبادرة العالمية للشمول المالي (FIGI) التي تدعم الأبحاث في المالية الرقمية وتعزيز الشمول المالي الرقمي في البلدان النامية. وينفذ المبادرة الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) بالتنسيق مع الجهات المعنية في البلدان الثلاثة وبالتعاون مع مجموعة البنك الدولي واللجنة المعنية بالمدفوعات والبنى التحتية للسوق وتدعم المبادرة مؤسسة بيل وميلندا جيتس. ولقد استضافت مصر المنتدى الثاني للمبادرة بالقاهرة في يناير الماضي، الأمر الذي يؤكد إهتمام مصر بالمبادرة وإلتزامها بالمضي قدما في هذا الإتجاه العالمي للشمول المالي الرقمي.

ونتيجة لذلك المجهود الكبير، أصبح هناك عدد كبير من الخدمات في مجالات مختلفة يستخدمها المواطنين في حياتهم اليومية، ويضاف عليها خدمات جديدة بشكل مستمر. وقد تبنت مصر هدف النهوض بالشمول المالي لمواطنيها، ومن أهم الأدوات والسبل لتحقيق ذلك الهدف هو دعم الجهود التي تسعى إلى تطوير استخدامات التكنولوجيا الرقمية من أجل تعميم الخدمات المالية في مصر.

والجدير بالذكر أن نشاط التمويل متناهي الصغر في  مصر زاد بمعدل 50% فى الربع الأول من 2019 مقارنة بالربع المماثل فى 2018 ليحقق 12.7 مليار جنيه تمويل لعدد 2.9 مليون مقترض. ويلاحظ من الأرقام استمرار تقدم النشاط الزراعي بنسب عالية مقارنة بالأنشطة الاقتصادية الأخرى، وبدء جهات التمويل متناهي الصغر في تقديم خدمات التأمين متناهي الصغر لعملائها، وبدء استخدام أنظمة السداد الالكتروني وكذلك الهاتف المحمول في صرف وتحصيل التمويل. ومن المتوقع أن يزداد استخدام خدمات التحويل بالمحمول والوسائل الالكترونية في الفترة القصيرة القادمة تمشيا مع التحول الجاري في استخدام وسائل الدفع غير النقدي.  كما أن مجلس إدارة هيئة الرقابة المالية أقر مؤخرا مشروع قانون لتعديل قانون تنظيم التمويل متناهي الصغر ليشمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ ويعتبرذلك  خطوة من الرقيب على الخدمات المالية غير المصرفية لاستيعاب التطورات التي كشف عنها التطبيق الفعلي لقانون تنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر عبر السنوات الأربع الماضية من الحاجة الفعلية لزيادة قيمة التمويل الذي يجوز منحه للعملاء، وإتاحة سقف جديد من التمويل لفئات أكبر من السوق. كل ذلك من شأنه تعزيز الشمول المالي والمساهمة في التنمية الإقتصادية في مصر. 

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.