مدونة البوابة

الإبتكارات الناشئة للتكنولوجيا المالية والتركيز على العملاء الفقراء

النظر إلى ما بعد المراحل الأولية من إطلاق الحلول المالية الرقمية
 امرأة من السودان ومعها هاتفها المحمول. تصوير: هشام فتحي، مسابقة سيجاب للتصوير، 2018.

منذ بضعة سنوات ، بدأت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) مثل العديد من المؤسسات العالمية الأخرى باستكشاف مجال التكنولوجيا المالية. وعلى الرغم من وجود الكثير من الأمور التي يجب أن نتحمس لها في التكنولوجيا المالية، إلا أن غريتا بول في مقالها الأخير بعنوان "آمال عظيمة: التكنولوجيا المالية والفقراء" قد حذرت وكتبت: "أصبح من السهل إغفال الفقراء في خضم الحماس الدائر حول التكنولوجيا والابتكار".  لقد أصبح أكثر وضوحا لنا ؛ أننا نحتاج إلى فهم أفضل عن كيفية توظيف التكنولوجيا المالية من أجل الوصول إلى الأشخاص الذين يعانون من نقص الخدمات بشكل أكثر فعالية والعمل على خلق قيمة أعمق في حياتهم المالية.

ولكن كيف يمكننا القيام بذلك ؟ ربما بسبب طريقة الاستثمار في الابتكار، فإن الضجة المثارة حول التكنولوجيا المالية تقوم بالتركيز على بداية رحلة التكنولوجيا المالية: فعندما تقوم شركة بتقديم حلّ جديد، فهي تقوم بزيادة الاستثمار وتجني ثمار ذلك بناء على فكرة. ولذلك ، يجب علينا أن نولي مزيدا من الاهتمام للمراحل اللاحقة من الرحلة بمجرد وصول الحلّ إلى العملاء ويصبح من الممكن تقييم أثره. ولذلك يجب أن نتساءل: هل أدى استخدام بيانات الأقمار الصناعية بالفعل إلى توسيع إمكانية الحصول على التأمين للمزارعين الفقراء في كينيا ؟ وهل أدت التطبيقات الجديدة للدفع إلى زيادة استخدام الشباب بالفعل للدفع عبر الهاتف المحمول في تنزانيا ؟ إننا لا نعرف دائما إجابات هذه الأسئلة. ونتيجة لذلك، غالبا ما لا يكون لدينا فهم سليم لأثر التكنولوجيا المالية على الشمول المالي.

عندما تقوم شركة بتقديم حلّ جديد، فهي تقوم بزيادة الاستثمار وتجني ثمار ذلك بناء على فكرة. ولذلك، يجب علينا أن نولي مزيدا من الاهتمام للمراحل اللاحقة من الرحلة بمجرد وصول الحلّ إلى العملاء ويصبح من الممكن تقييم أثره.

لقد أمضينا العامين الماضيين في سيجاب في العمل مع شركات التكنولوجيا المالية حول العالم من أجل الحصول على فهم أفضل لأنواع الابتكارات الناشئة وما إذا كانت بالفعل تعمل على تحسين حياة الفقراء. وقد قمنا باختيار 18 شركة من بين ما يقرب من 200 شركة استجابت لدعوة بتقديم مقترحات، وذلك بعد إجراء مجموعة من المقابلات الشخصية والزيارات الميدانية من أجل الحصول على فهم أفضل لحلولهم. وقد اخترنا الشركات التي لديها حلّ ولكن كانت في مرحلة مبكرة بما فيه الكفاية بحيث لم يكن لديها أدلة تثبت نجاح هذا الحلّ. ثم قمنا بعمل تجارب دقيقة جدا لاختبار ما إذا كانت خدماتهم تعمل بشكل ناجح كما هو مخطط لها بل وتم إنشاء قيمة للعملاء الذين يعانون من نقص الخدمات وتخفيف العوائق المتعلقة بتقديم الخدمات المالية للفقراء. وقد كان هدفنا هو ألا نراهن على النجاح القادم للتكنولوجيا المالية؛ بل كان لتحديد مجالات الابتكار في المراحل المبكرة ونقوم بمرور الوقت باختبار ما إذا كان الحل قد قام بمعالجة مشاكل محددة عانى منها العملاء ذوي الدخل المنخفض.

 

و كما هو موضح في تقريرنا الجديد بعنوان: "التكنولوجيا المالية والشمول المالي: استكشاف الإمكانات بعيدا عن الضجة"، فقد وجدنا العديد من مجالات الابتكار التي نعتقد أن التكنولوجيا المالية قامت من خلالها بتقديم حلول هامة. وعلى سبيل المثال من ضمنها، ما نطلق عليه التمويل القائم على شبكة العلاقات. إن المشكلة الشائعة فيما بين العملاء من ذوي الدخل المنخفض؛ هي أنهم غير جديرين بالحصول على الائتمان بسبب افتقارهم لتاريخ ائتماني رسمي وتاريخ لمعاملات الدفع. وقد أظهرت البحوث التي تم إجراؤها على اليوميات المالية لعدة سنوات؛ بأن الفقراء غالبا ما يكون لديهم حياة مالية معقدة تنطوي على علاقات مالية مع الآخرين في مجتمعاتهم وعملهم وأسرهم. وتحاول بعض شركات التكنولوجيا المالية التي نعمل معها؛ القيام بمعالجة هذا التحدي عن طريق إنشاء هذه العلاقات أو الاستفادة منها ، وذلك باستخدام الاتصالات الرقمية بين الأشخاص من أجل بناء الجدارة الائتمانية وتقديم مبالغ صغيرة للائتمان يمكنها سدّ فجوات التدفق النقدي، ويتم ذلك على سبيل المثال من خلال القروض من شخص إلى شخص ومجموعات الادخار الرقمي.

و تعتبر منصّة Patasente مثالا جيدا على هذا النوع من الابتكار، وهي منصة عبر الإنترنت للتجار في أوغندا. فالمشروعات متناهية الصغر في أوغندا غالبا ما تنتظر من 30 يوما إلى 90 يوما من أجل استلام المدفوعات الخاصة بمبيعاتهم مما يخلق مشاكل في التدفق النقدي لديهم. وتقوم المنصة الإلكترونية بالتعامل مع قطاع معين مثل مزارع الألبان وتربط سلسلة التوريد بأكملها من المشترين والموردين بعضهم البعض عبر الإنترنت للقيام بعمل طلبات الشراء والمدفوعات و الفواتير بشكل رقمي من أجل تحسين الجدارة الائتمانية للمورد الملتزم بالتسليم النهائي. ومن شأن ذلك تمكين المشروعات الصغيرة من الحصول على تمويل مقابل أوامر الشراء المعتمدة أو الفواتير المعتمدة. كما أن ذلك يتيح الفرصة للمستثمرين باكتساب عوائد جيدة من خلال ضمان أو إقراض الشركات الصغيرة و النامية. و قد وجدت سيجاب أن المقترضين ذوي الدخل المنخفض حريصون على المشاركة في منصة Patasente وأن معدلات السداد كانت مرتفعة. وعلى الرغم من أنه كان واضحا أن قدرة المنصة على التوسع ستعتمد على جذب المزيد من المقرضين من خلال تسعير أفضل للقروض أو عن طريق الشراكة مع البنوك لتقديم قروض بالنيابة عنها، إلا أن المنصة قامت بجذب المقترضين من ذوي الدخل المنخفض لأنها ذلّلت تحديا كبيرا في حياتهم.

وقد استكشفنا مجالا آخر للابتكار في تقريرنا، وهو تطبيقات الدفع القائمة على الهواتف الذكية. فمع تزايد انتشار الهواتف الذكية؛ أصبح لدى العملاء الفقراء في العديد من البلدان إمكانية الوصول إلى العديد من تطبيقات الدفع، إلا أن باقات الهواتف الخاصة بهم محدودة البيانات ومحدودة القدرة على التخزين مما يحدّ من مشاركتهم. ولذلك تقوم بعض شركات التكنولوجيا المالية بتصميم فئة جديدة من تطبيقات الدفع عبر الهواتف الذكية التي تراعي هذه القيود. وفي هذه الفئة، يوجد تطبيق NALA الذي يعمل كواجهة على أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول في تنزانيا، ويسمح للمستخدمين بالتعامل بشكل أسرع. وهذا التطبيق لا يتطلب أي اتصال للبيانات ويستهلك مساحة تخزين ضئيلة جدا (لدرجة أنه مصمم على أن يعمل مع نظام USSD). وقد وجدنا في المرحلة التجريبية التي قمنا بها؛ بأن تطبيق NALA يجذب ذوي الدخل المنخفض من جيل الألفية بشكل خاص والذين حصلوا على هواتف ذكية مؤخرا وكان لديهم إمكانية محدودة للحصول على الخدمات المالية. إن هؤلاء العملاء عندما يستخدمون مميزات الدفع البسيطة مثل أدوات الموازنة التقديرية وتاريخ المعاملات والمميزات الأخرى التي لا تتوفر بشكل عام في قوائم نظام  بيانات الخدمة المكملة غير المركبة أو USSD، فإنهم يقومون ببطء بزيادة أرصدة محافظهم وعدد معاملاتهم. وقد أثبت التطبيق بأنه مفيد بشكل خاص للأشخاص الذين كانوا يقومون بإجراء معاملات معقدة. وبالنسبة لمدفوعات الفواتير؛ فإن التطبيق يسرد بوضوح خدمات العملاء وحساباتهم من أجل تقليل فرص إدخال بيانات خاطئة تتعلق بمبلغ الفاتورة أو رقم الحساب.

إن تطبيقات الدفع القائمة على الهواتف الذكية تواجه هي الأخرى تحديات؛ مثلما يحدث تماما في ابتكارات التمويل القائمة على العلاقات. فيجب عليها من أجل توسيع نطاقها أن تجذب قاعدة عملاء متنوعة؛ وليس فقط العملاء الذين يعانون من نقص الخدمات. كما يجب عليها من أجل التشغيل بنجاح أن تكون قادرة على إقامة اتصالات مع مقدمي خدمات الدفع؛ سواء كان ذلك من خلال واجهات برمجة التطبيقات APIs أو غيرها من الوسائل. وبالرغم من ذلك، فإن هذه الحلول قد قامت بالتعامل مع احتياجات حقيقية ومحددة للعملاء الفقراء.

إن تقريرنا الأخير يقوم بتحديد المزيد من مجالات الابتكار. وللمضي قدما ؛ سوف تقوم سيجاب بمزيد من التعمق في نماذج الأعمال ومجالات الابتكار التي تم تحديدها في هذا التقرير وغيره، وبشكل خاص ما يتعلق بتوسيع نطاق التكنولوجيا المالية بعد المراحل المبكرة. وقد قامت تجاربنا حتى الآن بالتركيز بشكل أكبر على حلول الدفع والائتمان، إلا أنه مع تقدم التكنولوجيا المالية سوف نقوم أيضا بتتبع النماذج المتعلقة بالمدخرات والتأمين والتخطيط المالي، والتي تقوم بمعالجة مشاكل هامة للعملاء. وفي نهاية المطاف، نأمل في توثيق الأدلة المتعلقة بالنماذج الواعدة، وبشكل أوسع سيتم تقديم إرشادات حول كيفية قيام الممولين والمستثمرين بتقييم الطريقة التي يمكن بها لاستثماراتهم في التكنولوجيا المالية أن تقوم بالتركيز على الفقراء.

من البديهي أن الاستثمار في ابتكارات التكنولوجيا المالية ينطوي على مخاطر. ولم تكن كل التجارب التي قامت بها سيجاب حتى الآن هي تجارب ناجحة كطبيعة الحال مع ابتكارات الشركات الناشئة. ومع ذلك، فإن الأخطاء والإخفاقات من الممكن أن تسفر عن دروس مهمة يستفاد منها في إستراتيجيات المستقبل. وسوف نستمر في مشاركة الدروس المستفادة من خلال مدونة سيجاب. 

 

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.