مدونة البوابة

هل توجد أزمة سيولة بين مؤسسات التمويل الأصغر، وإن كانت هناك أزمة، فأين؟

تحاول جهات التمويل وواضعو السياسات توقع المشكلات التي تواجه مؤسسات التمويل الأصغر بسبب جائحة كورونا والتصدي لها
تقوم إمرأة من نساء الماساي بصنع وبيع وعرض أعمال الخرز. بعدسة جورجينا غودوين، البنك الدولي.

قبل أزمة كورونا، كتب دانيال روزاس مدونة انتشرت على نطاق واسع، وقام من خلالها بتحليل موقف السيولة لدى مؤسسات التمويل الأصغر باستخدام بيانات مركز ميكس. وبفضل مسح سيجاب لقياس النبض العالمي الذي يغطي مؤسسات التمويل الأصغر، أصبحنا الآن قادرين على تحديث هذا التحليل بالبيانات الحالية - وكانت النتائج مذهلة. فعلى الرغم من أن البيانات توضح أن مؤسسات التمويل الأصغر تجنبت إلى حد كبير أزمة سيولة، فإن هذا يعتمد على رغبة المستثمرين في إعادة تمويل (أو تمديد آجال) الديون المستحقة. وعلاوة على ذلك، فبالنسبة للعديد من مؤسسات التمويل الأصغر، جرى الحفاظ على استدامة معدلات السيولة من خلال التباطؤ الكبير في عمليات الإقراض الذي صاحبه تأجيل سداد أقساط الديون والقروض، لكن إذا تجاوز هذا الأمر الشهور القليلة الأولى، سترخي أزمة السيولة سدولها على المجتمعات المنخفضة الدخل التي تخدمها مؤسسات التمويل الأصغر، وستكون استدامة هذه المؤسسات نفسها على المحك.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من المعلومات والمشاركة في المسح الاستقصائي باللغة الإنجليزية. من سلسلة مدونات: "التمويل الأصغر وجائحة كورونا (كوفيد-19): آراء وملاحظات من المسح الاستقصائي لسيجاب، قياس النبض العالمي (CGAP Global Pulse Survey)."

هل تواجه مؤسسات التمويل الأصغر أزمة سيولة خطيرة في الوقت الراهن؟

في بيئة تتراجع فيها التدفقات النقدية بسبب إغلاق النشاط الاقتصادي وتأجيل سداد أقساط القروض، كم عدد الشهور التي تستطيع مؤسسات التمويل الأصغر فيها البقاء قبل نفاد أموالها؟ جاء هذا السؤال على رأس مناقشات استمرت لشهور، وتحاول مؤسسات/جهات التمويل وواضعو السياسات توقع المشكلات التي تواجه مؤسسات التمويل الأصغر بسبب جائحة كورونا، والتصدي لها على نحو ملائم. وتم إيلاء قدر كبير من الاهتمام بضرورة توفير تسهيلات سيولة لإبقاء مؤسسات التمويل الأصغر واقفة على قدميها خلال هذه الأزمة.

ومن خلال بيانات هذا المسح الاستقصائي لسيجاب، يمكننا الإجابة على هذا السؤال بمقارنة النقدية المتوفرة لدى مؤسسات التمويل الأصغر (بما في ذلك الأصول السائلة) بالمصروفات المتوقعة. وبصرف النظر عن صرف القروض، هناك ثلاثة أنواع رئيسية من التدفقات النقدية تستحق الانتباه: النفقات التشغيلية المطلوبة لتشغيل مؤسسة التمويل الأصغر، وعمليات السحب من جانب المودعين، وقيام مؤسسات التمويل الأصغر بسداد أقساط القروض التي حصلت عليها من مؤسسات التمويل.

ويتثمل أبسط تحليل في مقارنة النقدية المتاحة مع نفقات تشغيلية لمعرفة عدد الأشهر التي يمكن لمؤسسة التمويل الأصغر أن تستمر في العمل عند المستويات المعتادة قبل نفاد الأموال. ويبين الشكل أدناه نتائج هذا التحليل، الذي يقارن التحليل الأصلي الذي قام به روزاس لبيانات ما قبل الأزمة بتحليلنا الجديد باستخدام البيانات الحالية (في نهاية أبريل/نيسان 2020).

وقد تكون النتائج مفاجأة: لا يعتبر موقف السيولة بين مؤسسات التمويل الأصغر حتى نهاية أبريل/نيسان أسوأ مما كان عليه قبل الأزمة. ولن يواجه أكثر من نصف (56 في المئة) مؤسسات التمويل الأصغر أي مشكلة في تغطية عمليات سنة كاملة بالنقدية والأصول السائلة المتاحة لديها. وهذه النسبة أكبر بواقع 10 نقاط مئوية مقارنة ببيانات مركز ميكس قبل الأزمة. وسيتمكن 30 في المئة أخرى من مؤسسات التمويل الأصغر من تغطية 6 أشهر على الأقل من العمليات، أي أقل بقليل من 35 في المئة بحسب بيانات ما قبل الأزمة.

ومما لا شك فيه، يواجه عدد من مؤسسات التمويل الأصغر مخاطر سيولة في الوقت الراهن: 14 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر لديها غطاء نقدي لمدة أقل من ثلاثة أشهر من مصروفات التشغيل، ونصف هذه النسبة لديه احتياطيات نقدية تستمر لمدة شهر أو أقل.

غير أن هذين الرقمين أصغر في الواقع مقارنة بما جاء في تحليل ما قبل الأزمة، مما يشير إلى أن عدد مؤسسات التمويل الأصغر المعرضة لمخاطر السيولة الرئيسية اليوم أقل عند المقارنة بظروف السوق المعتادة.

وهذا يثير التساؤل التالي: ما هي مؤسسات التمويل الأصغر الأكثر تعرضًا لنقص السيولة؟ وهل هناك أنماط يمكن أن تساعدنا في فهم كيفية تطور مخاطر السيولة في هذا القطاع؟

وبالنظر إلى مقياس السيولة نفسه المطبق على مختلف المناطق، يتضح لنا بعض الفروق البارزة. فحوالي 22 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و14 في المئة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لديها أصول سائلة أقل من تكاليف التشغيل المتوقعة في الأشهر الثلاثة المقبلة.

وفي هاتين المنطقتين، كانت مستويات مصروفات التشغيل هي السبب في ذلك، فقد كانت أعلى بكثير من مستويات المناطق الأخرى. وفيما بين مؤسسات التمويل الأصغر في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تتم موازنة ذلك بصورة جزئية من خلال وجود أعلى نسبة من النقدية إلى الأصول مقارنة بأي منطقة. ولما كان الأمر على غير هذا النحو في منطقة أمريكا اللاتينية، فمن رأينا أن مؤسسات التمويل الأصغر مقيدة بسبب زيادة معدلات السيولة.

ووفي الوقت نفسه، فإن ما لا يقل عن ثلث مؤسسات التمويل الأصغر في كل منطقة لديها ما يكفي من النقدية لتغطية أكثر من عام من تكاليف التشغيل المستمرة. وفي ثلاث مناطق، تزيد النسبة على 60 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر في العينة التي أخذناها.

ومن خلال دراسة مؤسسات التمويل الأصغر حسب حجمها، توصلنا إلى آراء وملاحظات مفيدة للغاية. وليس من المستغرب أن أكبر المؤسسات لديها أكبر الاحتياطيات النقدية، ويأتي عدد قليل للغاية ضمن الفئات التي تواجه أشد الصعوبات: 7 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر التي لديها أصول تزيد قيمتها على 100 مليون دولار، تقل الأصول السائلة لديها عن مصروفات التشغيل ربع السنوية. ويمكن لحوالي 73 في المئة منها الاستمرار لمدة عام أو أكثر دون أية سيولة إضافية.

وتعاني مؤسسات التمويل الأصغر الصغيرة من قدر أكبر من القيود: 18 في المئة منها ليس لديها سيولة نقدية لتغطية مصروفات التشغيل لمدة 3 أشهر. وينطبق الشيء نفسه على 10 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر متوسطة الحجم. ومع ذلك، فإن أكثر من نصف مؤسسات التمويل الأصغر في أي فئة من هاتين الفئتين لديها سيولة كافية للعمل لمدة سنة أو أكثر بمستويات ما قبل الأزمة.

وهناك محذوران مهمان يقيدان هذا التحليل. أولاً، مصروفات التشغيل المشار إليها تخص الربع الأول من 2020؛ ومن المرجح أن العديد من مؤسسات التمويل الأصغر قد اتخذت تدابير منذ ذلك الحين لخفض تكاليف التشغيل، مما سيخفف الضغط على النقدية ويطيل آجال الاحتياطيات. وفي غضون عدد قليل من الأسابيع، سيكون لدينا بيانات عن مصروفات التشغيل التي تخص الربع الثاني من 2020. ثانيًا، لا يشمل هذا التحليل مسحوبات الودائع أو سداد الديون لمؤسسات/جهات التمويل، وكلاهما سيؤثر على الاحتياطيات النقدية ويقلل من آجال الاحتياطيات.

وحتى يتسنى معالجة النقطة الثانية بصورة جزئية، يمكننا تضمين مدفوعات الديون القادمة المستحقة لمؤسسات/جهات التمويل. ومن شأن ذلك تغيير الصورة بصورة جوهرية. وليس لدى أكثر من ربع مؤسسات التمويل الأصغر (26 في المئة) سيولة كافية لتغطية تكاليفها وسداد ديونها للأشهر الثلاثة المقبلة. وأفاد حوالي 19 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر (أي واحدة تقريبًا من بين كل 5 مؤسسات) أن معدلات السيولة لديها أقل من التكاليف التي تتحملها والمبالغ المطلوبة لسداد أقساط ديونها لمدة شهر أو أقل.

ماذا يعني ذلك لهذا القطاع وللعملاء ذوي الدخل المنخفض؟

الملاحظة الأولى هي عدم وجود أدلة وشواهد تدعم وجود أزمة سيولة واسعة النطاق لدى مؤسسات التمويل الأصغر- على الأقل حتى الآن. ومن شأن قيام العديد من مؤسسات التمويل الأصغر على الأرجح بتغيير أنماط التشغيل والعمليات لخفض تكاليف التشغيل أن يؤدي إلى تخفيف الضغوط على الاحتياطيات النقدية. لكن أيًا ما كان الأمر، فإن مستويات النقدية منخفضة على نحو مثير للقلق بين مجموعة فرعية من مؤسسات التمويل الأصغر في منطقتي أمريكا اللاتينية، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويتطلب الموقف رصد ومتابعة على نحو وثيق. وفي المسح الاستقصائي الأخير لسيجاب، أفاد 29 في المئة من مؤسسات التمويل الأصغر أنها تتوقع مشكلات سيولة في الأشهر الثلاثة المقبلة.

والملاحظة الثانية هي أن نسبة كبيرة من هذا القطاع لا تزال معرضة لمخاطر إعادة التمويل. ومن المحتمل أن تواجه واحدة من كل أربعة مؤسسات تمويل أصغر مشكلات سيولة إذا لم تحصل على إعادة تمويل لديونها من مؤسسات/جهات التمويل. ومن ثم يقع العبء على عاتق مجتمع مؤسسات/جهات التمويل لتحقيق استدامة التمويل للمؤسسات المستثمر فيها وإلا خلقت هذه المؤسسات المستثمر فيها أزمة سيولة لم تكن لتحدث.

وفي نهاية المطاف، ليس من الواضح على الإطلاق ما يعنيه ذلك بالنسبة لرفاهية مؤسسات التمويل الأصغر وعملائها. فالسيولة ليست سوى وسيلة ضرورية لتحقيق غاية: وهي على وجه التحديد، الاستدامة طويلة الأجل التي تمكن مؤسسات التمويل الأصغر من خدمة عملائها على نحو موثوق. وإذا اختارت مؤسسات التمويل الأصغر تقليل صرف القروض للحفاظ على السيولة، فستدعم موقف السيولة لديها ولكن على حساب توفير السيولة للمجتمعات المحلية التي تهدف إلى خدمتها. ومن خلال تقليص أنشطة الأعمال الأساسية، يمكن أن يؤدي تعظيم السيولة في حد ذاته إلى تقليص هذه المؤسسات وتآكلها.

ومن خلال النتائج المبكرة للمسح الاستقصائي، يمكننا أن نرى بوضوح هذه التراجع في معدلات الإقراض. فمن بين كل أربعة مؤسسات تمويل أصغر، قامت ثلاثة بخفض معدلات صرف القروض بسبب جائحة كورونا، وبدرجة كبيرة للغاية، قام ثلثاها بخفض معدلات الإقراض بأكثر من النصف مقارنة بالمستويات المعتادة. وبالتالي، لا عجب أن تتراكم الاحتياطيات النقدية. وفي الوقت نفسه، يؤجل حاليًا 69 في المئة مؤسسات التمويل الأصغر دفع أقساط القروض. وستعتمد مستويات السيولة على التوازن بين هذين العاملين.

وفي نهاية المطاف، سيكون العامل الحاسم هو متى سينتهي تأجيل سداد أقساط الديون والقروض وما معدلات السداد المتصورة بعد ذلك. وإلى الآن، تمكنت مؤسسات التمويل الأصغر بوجه عام من تدعيم موقف النقدية والحفاظ على معدلات السيولة. لكن إذا بدأ العملاء في التخلف عن سداد هذه المدفوعات المؤجلة، فقد يواجه المقرضون ضغطًا كبيرًا ليس فقط على السيولة، ولكن على الملاءة المالية. وبصرف النظر عن السداد، ماذا ستكون حالة الطلب على القروض والتسهيلات الائتمانية: هل سيكون هناك انتعاش سريع على غرار ما أورده ستيوارت روثرفورد في مشروع يوميات هريشيبارا Hrishipara Diaries؟ أم سيضعف الطلب على القروض في سياق اقتصادات تعاني من الركود المستمر؟

انتظرونا في المدونة التالية مع نتائج المسح الاستقصائي لسيجاب لقياس النبض العالمي حيث سيتم تناول جودة هذه الحافظة من المشروعات بعمق مع كشف الآثار المحتملة على الملاءة المالية.


 

يمثل هذا المسح الاستقصائي جهدًا عالميًا يعتمد على مشاركة مؤسسات التمويل الأصغر في جميع أنحاء العالم. للاطلاع على المزيد من المعلومات والمشاركة في هذا المسح الاستقصائي، يمكن زيارة الموقع التالي: www.cgap.org/pulse.

هذه المدونة جزء من سلسلة بعنوان "التمويل الأصغر وجائحة كورونا (كوفيد-19): آراء وملاحظات من المسح الاستقصائي لسيجاب، قياس النبض العالمي (CGAP Global Pulse Survey)." وسنقوم بتحديث هذه السلسلة بنتائج المسح بصورة دورية.    

 

التعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.

عثمان عمر , السودان
14 ديسمبر/كانون الأول 2020

المقاله جيده جدا،لكن هنالك عدم وضح في النسب المقارنة وتحتاج المقالة لتوضيح اكتر للمؤسسات والدول التي تعمل فيها حتي تكتمل صورة المقارنة ومعرفة درجه تأثير الجائحة علي الدول بناءا علي موقف هذه المؤسسات .وشكرا

اترك تعليق